حسن فايق.. "أبو ضحكة جنان" الذى مات حزيناً
وفى ذكرى ميلاده نتذكر حياة رجل أحب الفن بصدق، فحفر لنفسه مكاناً فى قلوب الملايين.
الشيخ سلامة حجازي
عاش حسن فايق سنواته الأولى فى الإسكندرية، حيث عمل والده فى الجمارك، وقد عشق الفن منذ الطفولة من خلال الشيخ سلامة حجازي الذى كان مطرباً وملحناً شهيراً فى بدايات القرن الماضى، حيث كان صديقاً لوالده، وكثير التردد على منزلهم، وكان الطفل حسن فايق يحفظ أغانيه ويرددها فى حضوره وغيابه، وبعيداً عن الغناء كان حسن فايق يتميز أيضاً فى طفولته بالمرح والابتسامة التى لا تفارقه، فكان بارعاً فى إلقاء النكت، ولذلك كان محبوباً من الجميع.
ظهرت موهبة حسن فايق لأول مرة أثناء الحفل الذى أقامه والده بمناسبة حصوله على الشهادة الابتدائية، حيث دعا فرقة عكاشة الغنائية لإحياء الحفل، وأثناء الحفل قدم حسن فايق أغاني الشيخ سلامة حجازي، وأشاد به الجميع، ونصحه البعض باحتراف الغناء، ولكن ذلك كان صعباً فى تلك الفترة.
بعد حصوله على شهادة الابتدائية، قرر والده أن يكتفي بهذا القدر من التعليم، فعمل بائعاً فى محل ملابس سيدات، وذات ليلة قادته قدماه إلى فرقة الشيخ سلامة حجازي، فبهره العرض غناء وتمثيلاً، وقرر حينها أن يكون مستقبله فى المجال الفني، ولكن كانت العقبة التى تواجهه رفض والده لعمله بالفن.
فرق الهواة
بعد وفاة والده، قرر حسن فايق احتراف التمثيل وهو فى سن السادسة عشر، فانضم فى البدايات لفرق الهواة، وقدم مع روزاليوسف رواية "فران البندقية"، ولم يكتف بالتمثيل فقط، إذ كون فرقة من الشباب الذى يهوى التمثيل، وكان من بين أعضائها حسين رياض، عباس فارس، المخرج محمد كريم، كما كان بارعاً فى إلقاء المونولوجات التى يؤلفها ويلحنها بنفسه، منتقداً فيها بعض الظروف الاجتماعية فى تلك الفترة.
ثورة 1919ربما لا يعرف الكثيرون أن حسن فايق لعب دوراً مؤثراً فى ثورة 1919، من خلال إلقاء المونولوجات الفكاهية التى تسخر من الاستعمار الإنجليزى، فكان المتظاهرون يحملونه على الأعناق، ويسيرون به فى الشوارع وهو يلقى المونولوجات الثورية التى يؤديها بخفة ظل، فيبهج المتظاهرين، وفى نفس الوقت يلهب حماسهم، وقد حدث أثناء الثورة أن مرض ولزم الفراش، فبعث إليه سعد زغلول يأمره بأن يعود إلى المتظاهرين ليلقي بينهم مونولوجاته الحماسية.
المسرح.. عشقه الأول
كان المسرح بالنسبة لحسن فايق عشقه الأول الذى وجد نفسه فيه، فعمل فى معظم الفرق المسرحية فى تلك الفترة، مثل فرقة رمسيس التى كونها يوسف وهبي، وعمل فيها موسماً كاملاً، لكنه لم يجد نفسه فى عروضها، كما انضم لفرقة جورج أبيض، وجرب نفسه فى تمثيل التراجيدي، ولكنه لم ينجح فى هذا اللون، كما انضم لفرقة نجيب الريحاني، وعندما تكونت الفرقة القومية انضم إليها لمدة عام واحد، وتركها لخلاف وقع بينه وبين مخرج الفرقة الفنان زكي طليمات، وهو ما جعله يعود إلى فرقة الريحاني التى أصبح من أبرز نجومها، وكان يقدم دائماً دور الرجل الساذج الطيب القلب، كما انضم لفرقة إسماعيل يس، وكانت آخر الفرق المسرحية التى انضم إليها فرقة التليفزيون تحت إشراف السيد بدير، ولكنه لم يستمر فيها كثيراً، وفى حوار قديم له قال أن المسرح هو الأقرب لقلبه لأنه يعطيه قدراً من الشجاعة لمواجهة الجمهور.
سر الضحكة
ربما كان أهم ما ميز حسن فايق طوال مشواره الفني ضحكته الشهيرة التى أصبحت جزءً من شخصيته، وعن سر هذه الضحكة قال فى حوار قديم له "لقد اقتبستها من أحد الباشوات أيام زمان، شاهدته يجلس فى الصفوف الأولى فى المسرح، وكان يضحك هذه الضحكة سواء كان المشهد يستدعى الضحك أم لا، وكان الجمهور من حوله يضحك عند سماع ضحكته، فأخذتها عنه".
نجومية سينمائية
كان الفنان حسن فايق من أوائل الفنانين الذين عملوا فى السينما منذ بدايتها، حيث بدأ مشواره السينمائي من خلال فيلم "أولاد الذوات" إخراج محمد كريم، وبطولة يوسف وهبي، وأمينة رزق وسراج منير، ثم قدم بعده بثلاث سنوات فيلم عنتر أفندي الذى أخرجه وشارك فى تأليفه ومثله إستيفان روستي، أما الفيلم الثالث الذى اشترك فيه فهو "بسلامته عايز يتجوز" مع نجيب الريحاني وعبدالفتاح القصري وزينات صدقي، وحقق فى هذا الفيلم نجاحاً كبيراً، وبدأ الجمهور يعرف اسمه، ثم توالت أفلامه بعد ذلك، وخلال مشواره السينمائي الممتد قدم عشرات الأفلام مع كل نجوم السينما فى تلك الفترة مثل نجيب الريحاني، يوسف وهبي، إسماعيل يس، أنور وجدي، فريد الأطرش، رشدي أباظة، عبدالحليم حافظ، ليلى مراد، صباح وشادية، وعن فضل السينما على نجوميته قال فى حوار قديم له إن السينما هى التى صنعت نجومية جيله "لأنه لم يبق منا - يقصد نفسه وجيله - سوى أفلامنا، أما كل ما قدمناه من تاريخ طويل على المسرح فهو لن يراه أحد لأنه لم يسجل فلم يكن التلفزيون موجوداً".
الزيجة التى هاجمتها الصحافة
كان حسن فايق من الفنانين الذين لا يحبون كثيراً التحدث عن حياتهم الخاصة، وكان حريصاً على إبعاد أسرته عن الأضواء، وقد تزوج مرتان، الأولى من السيدة نعيمة صالح التى أنجبت لها ابنتان هما وداد وعلية، وعاش معها 40 عاماً حتى توفاها الله، أما الزيجة الثانية فكانت من فتاة اسمها حورية صبور، وكانت فى الثلاثين من عمرها، وقد تعرض حينها لحملة قاسية من الصحافة، حيث هاجمته بعنف لأنه تزوج فتاة تصغره بثلاثين عاماً، بالإضافة إلى أنه لم ينتظر حتى تمر ذكرى الأربعين على رحيل زوجته وأم بناته، مما اضطره لأن يدافع عن نفسه، ويتحدث عن ظروف تلك الزيجة فى حوار صحفي فقال "أنا رجل اعتدت الحياة الأسرية، وشقيقتي جاءت لتعيش معي بعد رحيل زوجتي، وليس من المعقول أن تترك بيتها وزوجها للتفرع للعناية بي، خصوصاً أن بناتي تزوجوا، ورجل فى مثل سني يحتاج إلى من يرعاه ويخدمه، وأنا لن أقبل أن تكون هذه الرعاية من خادم أو خادمة، لذلك تزوجت، وأضاف أن بناته غضبوا فى البداية، لكنهم بعد ذلك تفهموا موقفه، واقتنعوا لأنهم جميعاً تزوجوا ولهم حياتهم".
صاحبة الكلمة الأولى
كان الفنان حسن فايق يؤمن بأن المرأة مخلوق أضعف من الرجل، لذا يتعمد ألا يشعرها بأنها تابعة، بل الآمرة الناهية، صاحبة الرأى الأول والأخير فى كل شىء، وفى حوار قديم له قال أنه طوال الأربعون عاماً التى قضاها مع زوجته الأولى لم يقل مرة واحدة كلمة لا، وكان دائماً يقول حاضر، أمرك، زى ما تشوفي، مضيفاً أن ذلك لم يكن لأنه ضائع الشخصية أو تابع فعلاً، ولكن لإيمانه بأنها أرق وأضعف من أن يصدمها بضعفها، وأشار إلى أنه خلال السنوات التى عاشها مع زوجته الأولى لم يدخن، لأنها كانت تكره رائحة الدخان، فلما تزوج بعدها تعلم التدخين –على كبر- لأن زوجته الجديدة تحب رائحة الدخان.
طيبة القلب
إذا كانت معظم الأدوار التى قام بها الفنان حسن فايق تنحصر فى شخصية الرجل الطيب، فإن شخصيته فى الواقع لم تختلف كثيراً عن الأدوار التى قام بها، ومن القصص التى تؤكد طيبته الشديدة، أنه حينما فتح صيدلية بالقرب من منزله فى مصر الجديدة، وكان يلجأ إليه أحد فى دواء ناقص فى السوق، ويقتنع بأنه فى حاجة إليه فعلاً، فكان لا يهدأ حتى يعثر على الدواء المطلوب، وقد ينفق من جيبه خمسة جنيهات، وهو يبحث عن دواء لمريض يتقاضى منه ثمناً له عشرين قرشاً.
إصابته بالشلل
إذا كان حسن فايق نجح فى رسم الضحكة على شفاه ملايين المشاهدين الذين شاهدوا أفلامه ومسرحياته، فقد عانى من محنة المرض التى سببت له الحزن والشقاء حوالى 15 عاماً، فقى أحد الأيام كان جالساً فى أحد محلات الأحذية، فإذا بفنجان القهوة يرتعش فى يده، ثم يسقط على ثيابه، فخجل من نفسه، وتلفت حواليه يبحث عمن يجفف له بذلته، وفى ثوان سقط على الكرسى دون حراك، وتقدم أحد الأطباء الذى تصادف وجوده فى المكان ليقول بأن الفنان أصيب بالشلل النصفي، ولم يقتصر الأمر على المرض فقط، إذ عانى أيضا من تجاهل المسئولين لعلاجه، فاضطر أن يرسل مذكرة للمسئولين للتدخل من أجل علاجه، فكان يعالج على فترات على نفقة الدولة، وبالإضافة لذلك، فلم يعد يزوره أحد من أصدقائه الفنانين، ولم يخفف عنه قليلاً سوى القرار الذى أصدره الرئيس السادات بصرف معاش استثنائى له. وقد عاش سنواته الأخيرة ما بين المنزل والمستشفى التى كان يتلقى فيها جلسات العلاج، ولم يخرج من المنزل سوى مرات قليلة، ففى أحد المرات جاءه الحنين لمسرح الريحاني، فتحامل على نفسه وترك منزله وذهب للمسرح، وجلس فى شباك التذاكر يتأمل الجمهور، فانهمرت دموعه وزاد اكتئابه، وفى مرة ثانية حضر حفلاً أقيم فى مستشفى العجوزة للترفيه عن أبطال حرب اكتوبر فى حضور جيهان السادات. وقبل وفاته بأسبوع، أصيب بهبوط عام، ودخل المستشفى، وفى يوم 14 سبتمبر توفى صاحب أشهر ضحكة فى السينما، والذى أمتع الملايين بأدواره الكوميدية فى المسرح والسينما.
تعليقات
إرسال تعليق